تواجه المرأة الّليبية تحديّات تؤثر على فرصها في العمل والمشاركة الاقتصادية والاجتماعية، في ظل عدم الاستقرار السياسي والنزاعات المسلحة، بالإضافة إلى القوالب الاجتماعية الّتي تقيّد المرأة وتحدّد دورها والفرص المُتاحة لها حسب التقاليد والأعراف، ونظرة المجتمع القبلي على أن دور المرأة المناسب بشكل أساسي كأم ومربية ومقدمة رعاية، واعتبار بعض فئة من المجتمع (خاصة كبار السن والمحافظين) أن الأدوار المهنية للمرأة خارج الأعراف الاجتماعية التقليدية ثانوية، الأمر الّذي قد يحدّ من فرصها في الحصول على أدوار مهنية أخرى.
وحسب دراسةٍ لهيئة الأمم المتحدة للمرأة – ليبيا شملت بحثًا أجرته مؤسسة (ألتاي) للاستشارات في ثمانية مدن ليبيّة تبيّن أن حظّ النساء في التوظيف أقلّ بكثير من حظّ الرجال، فقد أظهرت الدراسة أن 90% من الرجال يشغلون وظائف أو يعملون لحسابهم الخاص، مقابل 35% فقط من النساء. يعكس هذا التفاوت التحديات الّتي تواجهها سلوى والنساء في وضعها، ويزيد من صعوبة تأمين احتياجات أسرهن.
في الجنوب الّليبي، وتحديدًا في وادي البوانيس، أُتيحت الفرصة للعديد من النساء أن يتدرّبن ويتمّ تأهيلهنّ وتزيدهنّ بالمهارات الّتي يتطلبها سوق العمل ، جاء ذلك من خلال مبادرةٍ أطلقها مشروع “دعم البلديات في ليبيا” GIZ Libyan Program المُموّل من قبل الاتحاد الأوروبي في ليبيا والوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية بالتعاون مع وزارة الحكم المحلي الليبية وبلدية وادي البوانيس، و تأسيس مركز تدريب وتطوير المرأة في 15 مايو 2021.
مركز تدريب وتطوير المرأة / وادي البوانيس
“يهدف المركز بشكلٍ رئيسي إلى دعم النساء ومساعدتهم على تخطّي سوء الأوضاع المعيشية والنفسية، وتطوير أنفسهن ومهاراتهن لخدمة المجتمع، حيث يقدم المركز دورات تدريبية في مجالاتٍ متنوعة مثل التمريض، والطبخ، والتصوير، وتصميم الأزياء، والخياطة والتطريز”.
تحدثت أستاذة زينب محمد، مديرة المركز، عن المبادرة قائلةً: “إن هدفنا هو تمكين النساء من اكتساب المهارات اللازمة التي تعزّز من قدراتهن وتفتح أمامهن آفاق عمل جديدة. استقبل المركز منذ تأسيسه 280 متدرّبة كانت منهنّ مطلقات وأرامل، نحن نؤمن بأن تعليم المرأة هو استثمار في المجتمع بأسره، حيث إنهن يلعبن دورًا حيويًا في تحسين الظروف المعيشية لعائلاتهن والمساهمة في تنمية المجتمع خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد.”
وأضافت: “تتضمن الدورات التي نقدمها تدريبًا عمليًا ونظريًا، ما يضمن أن المشاركات يحصلن على تجربة شاملة. لقد شهدنا إقبالًا كبيرًا من النساء من مختلف الأعمار، وهنّ يعبرن عن رغبة قوية في تحسين حياتهن وتحقيق استقلالهن الاقتصادي”.
تجلّى الأثر الإيجابي للمبادرة في حياة النساء المتدربات على جميع الأصعدة، ومن بينهن سلوى عبد المالك، سيدة متزوجة وأم لثمانية أبناء تعيش في الجنوب الليبي. تزوجت في سن مبكرة وانتقلت إلى مدينة تبعد 2000 كلم عن مسقط رأس عائلتها
رغم سعيها منذ عام 2003 للحصول على عمل في القطاع الصحي، إلا أنها لم تُوفق. كانت ظروفها صعبة، حيث أطفالها لا يزالون صغارًا ويحتاجون للرعاية، وأهلها بعيدون للمساعدة، ما جعل فكرة العمل أو فتح مشروعٍ خاص تبدو بعيدة المنال.
لكن انضمامها إلى مركز تدريب وتطوير المرأة غيّر مسار حياتها. تقول سلوى “الدورات التي تلقيتها لم تعلمني فقط مهارات جديدة، بل منحتني الثقة بنفسي، لم أعد أرى نفسي كأم فقط، بل كفرد يمكنه المساهمة في المجتمع. أصبحت قادرة على تقديم الدعم لأسرتي بطرق جديدة، وأشعر بالفخر بما أحققه “.
بعد إكمالها التدريب في مجالات الخياطة والتفصيل، حصلت سلوى على فرصة عمل بدوام جزئي في ذات المركز، مما ساعدها في تحسين وضع عائلتها.
لم تخلُ رحلة عمل المركز من الصعوبات، حيث تقول زينب محمد، مديرة المركز: “واجهنا تحديات عدة، بدءًا من انقطاع الكهرباء لساعات طويلة، وضيق المساحة المتاحة، وصولًا إلى نقص المواد الخام اللازمة للدورات ونقص الدعم المالي الذي كان من المفترض أن يُسهم في تحسين الظروف”.
ورغم هذه التحديات، يطمح المتدربات إلى تحسين مهاراتهن ويتطلعن إلى مستوىً آخر من الدورات التدريبية ومع إصرارهن ومثابرتهن استطاعت العديد منهن الحصول على فرص عمل وتأسيس مشاريع خاصة.
وأشارت زينب إلى أن المركز يسعى أيضًا إلى توفير بيئة داعمة ومشجعة، حيث يمكن للنساء تبادل الخبرات والتواصل مع بعضهن البعض، ما يعزز من روح التعاون والتضامن بينهن. مؤكدةً أن المركز سيستمر في تقديم المزيد من البرامج والدورات لتلبية احتياجات النساء في المنطقة، معبرةً عن أملها في تحقيق تأثير إيجابي ومستدام في حياة المشاركات.